دامون غالغوت، الروائي الجنوب أفريقي البارز والحاصل على جائزة البوكر العالمية لعام 2021، يقدم في روايته الوعد تحفة أدبية تجمع بين المأساة الاجتماعية والتاريخية عبر حكاية عائلة واحدة. تدور الرواية حول عائلة "سوارت" البيضاء التي تمتلك مزرعة صغيرة في جنوب أفريقيا، على مدار سنوات قبل الفصل العنصري وبعده مباشرة. تسكن المزرعة "سالومي"، خادمة سوداء خدمت العائلة لأعوام عديدة، ويبدأ هذا العمل بطلب الأم "راشيل" على فراش الموت، بأن يُعطى صك العقار لسالومي التي كافحت بإخلاص. إلا أن زوجها "ماني" يؤجل الوفاء بهذا الوعد عامًا بعد عام رغم أنه وعد بتحقيق رغبتها، بينما تغرق العائلة في مصالحها وأنانياتها، تاركة الوعد معلقًا.
يبرز العمل تسلسل الأحداث من منظور أفراد العائلة، الذين يستهلكون أنفسهم بأنانياتهم حتى يصبح تحقيق الوعد شبه مستحيل، بينما تشهد الابنة الصغرى، الوعد المقطوع وتذكّر الأسرة بواجبهم اتجاهه، مما يثير السخط والغضب. تمامًا كما سأل "فورستر" في روايته من سيرث المنزل؟، كأن غالغوت يطرح السؤال بشكل آخر: من سيرث جنوب أفريقيا!!، وكيف تتغير المسؤوليات الأخلاقية مع مرور الزمن؟
أسلوب الرواية السائل، ويعتمد على تقنية تيار الوعي، الذي يتنقل ببراعة بين وجهات النظر المختلفة، يجعل القارئ يعيش تجربة غامرة: تتغير المشاهد بسرعة، وتتضمن تحولات حتى في منظور الموتى، مما يخلق شعورًا بانسياب الزمن واللغة الشعرية الغنية. ومع ذلك، تكشف هذه الحرية السردية عن مأزق الشخصيات البيضاء التي لا يمكنهم الهروب من تحيزاتهم المتجذرة، وتجعل القارئ يواجه مباشرة مشاعر السخط والغضب الناتجة عن العنصرية اليومية، بينما يقدم الكاتب دامون لمحات دقيقة عن وجدان الخدم السود الذي قال أحدهم بسخرية: "ليس من الممكن دائمًا إرضاء شخصين بيض في وقت واحد"، لتكشف الرواية عمق الانقسامات التي لا تزال باقية حتى بعد انتهاء الفصل القانوني.
لن تشعر بأنك تقرأ رواية تقليدية، بل وكأنك تسافر عبر تدفق الزمن واللغة، وتطرح نفسك أسئلة مركزية: هل كان هذا الوعد مجرد التزام شخصي أم انعكاس لخيانات تاريخية أكبر؟ وكيف يمكن للذاكرة الفردية أن تعيد بناء وعد لم يُوفَّ بعد؟ وما مصير الوعد والخادمة!؟
ستسكن هذه الرواية فيك.. كما يسكن الندم في ذاكرة من لم يوفِ بعهده، وتجعلك ترى أن ما ينهار ليس وعداً وبيتًا أو عائلة فقط، بل معنى الوطن بأسره!!